على عبد المقصود المدير العام
عدد المساهمات : 119 تاريخ التسجيل : 08/05/2011 الموقع : ميت عساس
| موضوع: بلال بن رباح.. الإعلامي الأول في الإسلام الأربعاء مايو 18, 2011 3:56 pm | |
| بلال بن رباح.. الإعلامي الأول في الإسلام
كان الصحابي الجليل بلال بن رباح الحبشي مدرسة إعلامية متميزة ومدارس الإسلام لم تكن نسخاً مكرّرة. والتفرّد منهج قرآني .. يُصعِّد بالإنسان، حتى يحقق الخلافة. يقول تعالى: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون”، (سورة البقرة). هذا ما يؤكده المحامي عبد الحميد الصمادي في حوار خاص أجريناه معه، حيث اعتبر أن بلالاً كان فكرة تمشي على الأرض لها أيدٍ وأرجل، فكرة حق، تقمّصت روح إنسان، فأصبح روحاً عظيمة، ومن شأن الروح العظيمة أنْ ترتقي بمن يلامسها من الوجود إلى المعراج والصادق الصامد على الحق، يتحوّل إلى صدّيق، ويصبح في المرتبة التالية بعد النبوة.
في البدء يعرفنا المحامي الباحث الصمادي إلى شخصية بلال الحبشي قائلا: إنه بلال بن رباح واسم أمه حمامة وكانت امرأة ذات حظ من المعرفة والفهم، ويكنى أبو عبد الله، وأبو عمرو، وأبو عبد الكريم، وقد ولد في بلدة السراة في الحبشة، وتاريخ ولادته غير معلوم.
كان والده من أهالي الحبشة (والحبشة آنذاك كانت تعني السودان أيضاً) وقد حُملا كأسيرين “الأب رباح وابنه بلال” إلى شبه جزيرة العرب وفيها أصبح بلال غلاماً لأمية بن خلف الذي كان من كبار قريش. وكان بلال أسمر اللون (أقرب إلى السواد) طويل القامة نحيفها.
ومنذ بدء الدعوة بادر بلال إلى اعتناق الإسلام حيث وجد فيه ضالته فكان من السابقين، حيث قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بلال سابق الحبشة”، وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد رضي الله عنهم” [حياة الصحابة ج1] وقد كان مشركو مكة يمارسون ضده أشد أنواع التعذيب بهدف أن يمنعوا شباب مكة وعبيدها من اعتناق الإسلام من خلال بث الرعب والخوف في قلوبهم ولكنه لم يكن ينطق سوى كلمة “أحَدْ” وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً لوضع بلال وطلب من أبي بكر أن يسعى لعتقه فاقترح أبو بكر الصديق رضي الله عنه على أمية بن خلف شراءه أو تبديله.
وكان المشركون قد ضاقوا ذرعاً بمقاومته، فوافق أمية على بيعه لأبي بكر، وبعد أن اشتراه أبو بكر أعتقه فوراً وبذلك أصبح بلال حراً، وقد سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بذلك أيما سرور وبعد ذلك أصبح بلال يعيش إلى جانب النبي الأكرم. وقد هاجر بلال إلى يثرب مع غيره قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وفي يثرب مرض وأصابته الحمى، ومع ذلك فقد دفعه حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عند نهاية الطريق الواصل من مكة إلى يثرب لساعات طويلة منتظراً وصول الرسول صلى الله عليه وسلم رغم مرضه الشديد.
وفي يثرب (التي أصبح اسمها المدينة) اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم أول مؤذن في تاريخ الإسلام وذلك بعد نزول الأمر الإلهي بإقامة الأذان في السنة الأولى من الهجرة.
وكان بلال يشارك في المعارك بشجاعة نادرة ففي معركة بدر كان جيش الكفار على وشك الهزيمة وإذا بأمية بن خلف يحاول اللجوء إلى عبد الرحمن بن عوف حين شعر بالخطر على حياته إلا أن بلالاً رآه وحرض المسلمين على قتله وهجم عليه مع طائفة من المسلمين وتم قتل أمية على يد بلال كما جاء في بعض الروايات.
وفي معركة حنين كان بلال من بين الكوكبة التي تولت الحفاظ على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خسارة كبيرة في حياة المسلمين عامة وفي حياة بلال خاصة حتى أنه امتنع عن الأذان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. ثم غادر بلال المدينة إلى الشام، وتوفي فيها سنة 18 أو 20 هجرية على أثر إصابته بالطاعون وقد جاوز الستين من العمر، ودفن بمقبرة قديمة بدمشق وهي مقبرة الباب الصغير ولا يزال قبره قائماً حتى الآن.
الأذان في الإسلام
وتحدث الصمادي عن الربط بين الأذان في الإسلام والإعلام الإسلامي قائلا: إن رفع الأذان في الإسلام له مكانة ومرتبة عالية وشريفة في أحكام الشرع المقدس، وهو خلاصة من أرقى مضامين الدين الحنيف، فهو يبدأ بذكر عظمة وكبرياء الله جل جلاله وينتهي بنفي كافة المعبودين ما عداه. ويحمل الأذان الاعتراف بوحدانية الله والاعتراف برسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم. وكل جملة في الأذان لها معان عميقة وموجهة ومعروضة بشكل بسيط وخال من التعقيد والغموض بحيث يتفهمها كافة الأفراد بغض النظر عن مستوى إدراكهم وشعورهم.
فبلال أول من رفع الأذان بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي شيد في المدينة المنورة واستمر في رفع الأذان لمدة تقارب العشر سنوات حيث كان أذان بلال بمنزلة إبلاغ دعوة وإعلان لأوقات الصلاة وحضور النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد. ولو أعدنا النظر في صفات بلال لوجدناها تنطبق مع الصفات اللازمة لكل مبلِّغ حيث إن ماضيه المشرق والمشرّف المقرون بأعلى المُثل والقيم الإسلامية الإنسانية إضافة إلى العقيدة الراسخة والصادقة يجعلان منه أنموذجاً وأسوة حسنة لإنسان يتحلى بالصبر والمقاومة والشهامة والصراحة ومخافة الله وبسعة الصدر وعدم الاهتمام بمغريات الحياة.
وكذلك فإن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لبلال أول مؤذن في الإسلام يشير إلى أنه لا أثر للون الجلد وبقية المعايير والقيم الظاهرية والمادية في الوصول إلى درجة التقرب من الله.
إن بلالاً الذي كان عبداً لأحد سادة قريش أصبحنا نقول عنه سيدنا بلال رضي الله عنه.
مدرسة الصدق
وعن سبب وصفه للصحابي الجليل بلال الحبشي بأنه الإعلامي الأول في الإسلام، يقول المحامي الصمادي: كل نبي مدرسة من مدارس السماء، أمّا الحواريون والأصحاب فهم مدارس الأنبياء، وهذه المدارس لا تتعارض بل تتكامل، فهي مدارس صادقة، والصدق ملّة واحدة. ومن يعتاد ممارسة الصدق يسمَّى صادقاً، أمَّا من يقوم بنشرِ الصدق كقدوة وسلوك وتعليم فيسمى صدّيقاً، والصدّيقون هم في المرتبة التالية بعد النبييّن، يقول الله تعالى: “ومَنْ يُطع الله والرّسولَ فأولئكَ مَعَ الّذينَ أنْعمَ اللهُ عليهمْ مِنَ النبيّين والصدّيقينَ والشّهداء والصّالحينَ وحَسُنَ أولئكَ رَفيقاً”، (سورة النساء).
وأضاف: مِنْ هنا فإن مدرسة بلال بن رباح الحبشي، هذه المدرسة التي نشأت برعاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت إعلاماً حقيقياً عن الدعوة الجديدة إعلاماً صادقاً بقول الحق والصبر عليه. وقد استخدمت هذه المدرسة شقّي الإعلام: الكلمة والصورة.
فصورة بلال الذي كان مربوط العنق بحبل ويطاف به بين أخشبي مكّة (الأخشب هو الجبل الخشن الغليظ ؛ والأخشبان هما جبل أبو قبيس وجبل الأحمر بمكة ) وينادي أحدٌ أحدْ. وصورته وهو ملتصق الظهر بالرمضاء في هجير الظهيرة وإصراره على قول أحدٌ أحدْ كان لها أبلغ الأثر في المجتمع المكّي، فنزعت القشرة الزائفة لملأ مكة التي تظهر بسوق عكاظ وعمارة المسجد وسقاية الحاج، بتعذيبهم لرجل يقول أحدٌ أحدْ. وهذا ما زعزع معتقدات الملأ وأسقطَ في أيديهم ودفع المنصفين للاهتمام بالدعوة الجديدة وبالتالي لإعلان إسلامهم.
العذاب العذب
وقال الصمادي: وزادَ الأمر قوةً، منطوق أحدٌ أحدْ المرافق لتلك الصورة المؤثّرة، فهذه الكلمات التي تلفظها الشفاه العطشى، تنبع من الصميم فتدخل إلى صميم السامع المشاهد .
و هذا النداء الذي خاطب فطرة الإنسان وأخذ يحفر في ذاكرته عميقاً ليذكّره بالعهدِ والميثاق عندما كان في عالم الذّر، يقول تعالى: “وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بني آدمَ منْ ظهورهِم ذُرّيّتهم وَأشْهَدهم على أنْفسِهم ألستُ بربّكم قالوا بلى شهدنا أنْ تقولوا يومَ القيامةِ إنّا كُنَّا عنْ هذا غَافِلين”، (سورة الأعراف).
ومن جهة ثانية فإن نداء أحدٌ أحدْ يصل إلى صمدٌ صمدْ، التي من مداليلها الصمود ..أي نداء الحق والصبر عليه .. “قُلْ هُوَ الله أحد، الله الصّمد”.
وهذا ما عاشه بلال حقيقةً لا ادعاءً، وتساوى جوانيّه وبرّانيّه فأثمر لهجة صادقة وكلمات عذبة، لأنَّ التعذيب عندما يُمارس على إنسان ليُكرَه على تغيير معتقده فقد يُنِتج هذا التعذيب والإكراه آثاره، فيتحول هذا الإنسان الذي يعذّب عن عقيدته مكرهاً على ذلك، وبهذه الحالة يصبح الإنسان كريهاً بسبب خضوعه للإكراه يقول تعالى:”لا إكراهَ في الدّين قَدْ تبيّن الرّشدُ منَ الغي”، (سورة البقرة).
وأمّا من يصمد على قول الحق ويُحبط كل وسائل الإكراه والتعذيب التي تُمارس عليه، فإن العذاب عنده يتحول إلى عذوبة، فيصبح العذاب عذباً في سبيلِ الله، فينطق بكلمات عذبة، تخرج من القلب لتصبَّ في القلب وتفعل فعلها فيه .. وهذا ما يُعرف بصدق اللهجة .
سلاح اللاعنف
من جهة أخرى فإن دعوة الحق لا تشترط لنجاحها سوى الصبر، فهي ليست بحاجة للعنف لإيصال رسالتها إلى الآخر “وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصبر” [سورة العصر]. فالعنفُ يؤدّي إلى إكراه الآخر وهذا ما يجعله كريهاً (منافقاً لا مؤمناً). وبلال مارس اللاعنف الصامد في وجه العنف المعتدي، أي قول الحق والصبر عليه، من دون أن يمارس أي عنف في مواجهة الآخر.
وخلص المحامي الصمادي للقول: النورُ لا يحارب الظلام .. بل بمجرّد ظهور هذا النور يتلاشى الظلام ويندثر، والمسألة مسألة صبر. وعليه فإنّ بلالا صامداً بدعوة الحق في مواجهة الإكراه. وهذا السلاح، سلاح اللاعنف الصامد برفع راية دعوة الحق، لا يخيف من يحمله .. فهو سلاح حبّ وتضحية، لإنقاذ الآخر، وإيصال الرسالة إليه من غير الأسوار المألوفة والمرئية، بل من خلال القلب والروح، يقول تعالى: “ادفَعْ بالتي هِيَ أحسَن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍ عَظيم”، (سورة فصلت).
وهذه المدرسة لها جذور عميقة في التاريخ، وأمثلتها عديدة في القرآن الكريم بدأت مع هابيل وقابيل، يقول تعالى: “لئن بسطت إليّ يدكَ لتَقتُلني ما أنا بباسطٍ يديَ إليكَ لأقتلك إنّي أخافُ الله ربَّ العالمين”، (سورة المائدة) وهناك شجون وشجون في تاريخ الرسل والأنبياء. والسيّد المسيح عليه السلام في موعظة الجبل، قال: “سمعتم أنه قيلَ تُحبُّ قريبك وتُبغض عَدوّك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم” (انجيل متى).
كما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أن يُطبق ملك الجبال على أهل مكة الأخشبين بقوله: “عسى أن يخرج من أصلابهم من يوحّد الله”. وبالفعل خرج منهم من يوحّد الله ويدعو إلى كلمة التوحيد. | |
|